الثلاثاء، 8 أبريل 2014

القتل والإفساد




ينقسم القتل في القرآن الكريم إلى نوعين:القتل المتعمد والقتل الخطأ. والقتل العمد له صنفان الأول قتل اعتداء والثاني قتل على أساس ديني. ولا يوجد أي مبرر لقتل نفس إلا إذا قتلت.

القتل الخطأ

القاتل خطأً لا يقتل وعليه دية وكفارة حسب التفاصيل، وكفارة القتل الخطأ هي تحرير رقبة مؤمنة ودية تدفع إلى أهل المقتول.كما في آية القتل الخطأ (آية 92 في سورة النساء).
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (92) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً (93))
تتحدث هذه الآية عن القتل في موضوع خاص،وهو أثناء حرب المؤمنين لأعدائهم، ولأن المؤمنين مختلطين بالمنافقين المعتدين المستهدفين بالقتل فقد يصدر أن يقتل المؤمن في هذه الحالة خطأً، أما قتل العدو المستهدف بالقتل فليس عليه دية.
وقد نفهم من هذه الحالة الخاصة الحالة العامة والتي تتجسد في حياتنا العامة كالقتل بسبب حادث مروري، وفي هذه الحالة سنطبق الكفارة المذكورة لأنه قتل خطأ:
1-الدية : هي مبلغ مالي يدفعه القاتل خطأً لولي المقتول، وهذه الدية لم تحدد قيمتها في هذه الآية لأنها شيء يحدده العرف،.
العفو في القتل الخطأ إجباري على ولي القتيل، أما في القتل العمد فهناك حالتان إما القصاص أو العفو. وقد يدفع البعض دية في حالة القتل الخطأ رغبة في إرضاء النفوس وإصلاح الأمر بالإحسان، ولا شيء يمنع من ذلك.
2- تحرير رقبة مؤمنة : الأولى بتحرير الرقبة أن تكون مؤمنة، ولكن الآية لا تمنع تحرير رقبة غير مؤمنة في حال عدم توفرها.
3- فمن لم يجد فصيام شهرين متتاليين: في حال لم يجد مالاً يحرر به رقبة فعليه صيام شهرين متتاليين.

القتل العمد

ذكر القرآن الكريم أنواعاً في القتل العمد هي قتل الأولاد ، وقتل الإعتداء ، والقتل على خلفية دينية، ووصف الإكثار في القتل في الإعتدءات إسرافاً، ووصف الإكثار في القتل الديني بالإفساد في الأرض.

الإسراف والإفساد في القتل
من حيث الكيفية يوجد قتل بسيط، وهو قتل نفس ، وهناك إسراف في القتل وهو قتل  أكثر من نفس،هذا فيما يتعلق في الاعتداءات. أما فيما يتعلق بالقتل على أساس ديني،فإن الإكثار في القتل يسمى إفساد في الأرض.
وقتل الإفساد قتلٌ مستهدف ومعني بالإكثار في القتل، لأنه قتل تصفية على أساس الدين أو العرق أو ماشابه، ويشمل هذا الإفساد القتل أو التحريض أو التسبب فيه. لذا فإن الآية الكريمة في سورة البقرة التي تقول (الفتنة أشد من القتل) تقع في هذا السياق،كون أن إيقاع الفتنة المتسببة للقتال بين فئتين هو أشد من القتل ذاته ، فالقتل حادثة تنتهي بمحاسبة مرتكبها، أما الفتنة فيدور رحاها وتقتل جماعات وعلى مدى طويل من الزمان.
 لذا فإن تحريض القرآن الكريم للنبي (ص) على قتال من يروج للفتنة كونه يستحق القتل من حيث أنه مشارك في القتل هذا أولاً ، وثانياً : كون هذه الفتنة تقتل المزيد من الناس. لذا استحق المفتن المؤسس للحروب القاتلة أشد العقوبات.


أنواع القتل العمد :
ذكر القرآن الكريم ثلاث أنواع هي: قتل الأولاد ، وقتل الإعتداء، القتل على خلفية دينية


أ- قتل الأولاد عمداً : 
وذكر فيها القرآن الكريم أربعة أنواع هي: قتل الأولاد بسبب الخوف من الفقر، وقتل الأمهات لأبنائهن بسبب الزنا، وأد البنات و قتل المشركين لأولادهم قرباناً للآلهة
1- قتل الأولاد خوف الفقر:
(قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) 
(وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً (31)) 
كان قتل الأولاد بسبب الفقر ولعدم القدرة على العيلة حالة منتشرة وسهلة في السابق خصوصاً أن الطفل غير معروف لأحد غير والديه ويمكن التخلص منه بسهولة.  والإملاق كلمة فيها بلاغة عن الفقر، وهذه أحد أسباب انتشار ابن السبيل في الزمن القديم، وقد ساعدت وسائل تحديد النسل الحديث في الحد من انتشار هذه الظاهرة.

2- قتل الأمهات لأولادهن بسبب الزنا:
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)) 
تعطي الآية صورة عن واقع الحياة في تلك العصور، وأن هذه الأمور التي ذكرتها الآية كانت متفشية ، لذا طلبت الآية من الرسول معاهدة المؤمنات حديثات الإيمان عليها، فالمرأة قد تسرق من أموال زوجها ، والزنى في انتشار ، وكذلك فإن الزانية قد تتخلص من مولودها بالقتل، ويدخل في ذلك قتل اللقيط.

3- وأد البنات 
(وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9))
(وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم) 
كانت هذه عادة المشركين في مكة، وكان كرههم للأنثى سبباً في وأدها وهو دفنها وهي حية بعد ولادتها.

4 - قتل الأولاد كقربان من قبل المشركين
(وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137)) 
أحد وسائل التقرب لدى المشركين كان بالنذر بالأولاد ونحرهم قربانا لآلهتم، وقد ينذر المشرك منهم ابنه للآلهة وهو في بطن أمه. وكان للأصنام كهنة يحكمون ويشرعون ويزينون هذا العمل للمشركين.

ب- قتل الإعتداء  : 
ألمح القرآن الكريم في هذا الصنف إلى قتل أحد الزوجين للآخر، وقتل الإنسان للإنسان
1- قتل أحد الزوجين للآخر:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً (29)) 
الآية في وضعها الخاص تخاطب الزوجين إذ أنها جاءت في سياق آيات سورة النساء التي تتحدث عن أن الناس مقسمين إلى ذكر وأنثى. والآية بشكلها الخصوصي هنا تحذر الزوجين من أن يقتل أحدهما الآخر.
الزواج هو عقد مثل أي عقد ولكن القرآن سماه ميثاقاً غليظاً، والله سبحانه وتعالى يضع لهذا الميثاق قوانينه وحدوده،لذا علينا أن نفهم أن هذا العقد الهام لا يلغى بمجرد كلمة تنطلق من اللسان.
في إحدى الآيات التالية لهذه الآية آية تقول: "ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض" في استكمال لحديثه عن الزوجين، في تبيان أن الرغبات التي تتواجد لدى الإنسان هي من يتسبب في كثير من الأمراض والرغبات السيئة لدى الإنسان، وقد يكون  للزوجة مال كثير يطمع فيه الرجل فيأكله بدون وجه حق، وقد يكون للزوج أموال كثيرة فتسرق منها الزوجة أو ماشابه ،فهناك دوافع كثيرة لدى الأزواج تتسبب في الكراهية بينهما، وقد تصل هذه الكراهية لدرجة الرغبة في القتل للتخلص من هذا الشريك.والله سبحانه وتعالى يوصي الإنسان بقوله لا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً .
يمكننا أن نفهم أيضاً حرمة ذلك بصورة عامة، بين أفراد المجتمع فما يخصص في الحديث بين الزوجين هو ذاته ينطبق بين عموم الناس. 

2- قتل الإنسان للإنسان :
(فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (74)) 
المنكر هو تنكير الباطل بصورة الحق، فعندما نعلي أصواتنا فإننا ننكر حقيقة ضعفنا بإبراز قوة الصوت، وهو الذي يحصل عندما كان بعض أهل الكتاب يلبسون الحق بالباطل، يعني أنهم كانوا يدّعون شيئاً ما أنه حق وهو في حقيقته باطل.
وفي هذه الآية يتحدث موسى بالحق الذي يعرفه للقتل وهو أن النفس بالنفس، وموسى يعلم أن هذا العبد الصالح يسير بالحق، فهو يعترض عليه على هذ العمل ويقول له لقد أتيت بشيء نكراً أي شيء متنكر، أي باطل في صورة حق.

(وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68))
نزل في وصايا إبراهيم العشر الذي يعد دستور الدين أن القتل لا يمكن إلا ان يكون بالحق، والكتب السماوية هي تبيان لكل شيء في الدستور، وتعرف لنا ماهو حق القتل ، وتقول أنه :النفس بالنفس. لا يوجد في القرآن الكريم وكذا الكتب السماوية السابقة حق للقتل إلا القتل، ولا ينفع أن نخرج عن هذا الحكم بأي عنوان آخر.
يجد بعض المختلفون المتخاصمون في الرأي رغبة في التخلص من غرمائهم بالقتل، ويسهل عليهم هذا الطريق وتزداد الرغبة في ارتكاب هذه الجريمة كلما زاد الخلاف وزادت الخصومة. وقد طغت هذه الروحية وأثرت على الأحكام التي صدرت من الإنسان والتي لا علاقة لها بالدين أصلاً، ففتح الإنسان لنفسه أبواب يجرم بها خصمه، ومن ثم يلصق به التهمة لتحقيق رغبة القتل تلك.
وفي الآية مقاربة بين الزنا والقتل، فكلاهما يقع من دافع قوي لدى الإنسان يصعب مقاومته إلا بتقوى وإيمان شديدين، هذا من جانب، من جانب آخر فإن وقوع الزنا يتسبب في صدمة كبيرة للرجل، وهذه الصدمة تكون دافع للقتل. لم يحكم الله سبحانه وتعالى في كتابه بالقتل للزانية، ولكن الإنسان هو الذي وضع القتل رجماً، لأنه لم يقبل بحكم أقل من هذا.
من هذه الرؤية فإن الآية تقول أن المؤمن ملتزم بحكم الله فيما يخص الزنا، فهو لا يفتك ويزني ، ولا يقتل الزانية على أقل تقدير ، ولا يقتل النفس المحرمة بصورة عامة.

ج- قتل العمد على خلفية دينية:
(إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33))
أتت هذه الآية في سياق الحديث عن القتل بدأً من قصة قابيل وهابيل، ومروراً بالآية التي أشارت إلى أن الله كتب على بني إسرائيل أن النفس بالنفس وبيان أن المفسد في الأرض بالقتل يستحق القتل، لذا فإن هذه الآية تشير إلى الذين تسببوا في قتل المؤمنين من خلال الخيانة في سياق محاربتهم لمن آمن بالرسول. فمن بين الذين آمنوا ثم نافقوا منهم من تسبب في قتل المؤمنين، فهنا نص العقاب على الذين ساهموا في القتل ووقعوا في فتنة استهداف المؤمنين، وهو مايحصل في الحروب في حال اكتشاف خيانة خائن.
"يحاربون الله ورسولة" لا تعني المبارزة بالسيف، فالحرب كلمة أعم من القتال، فهم يحاربون بالخيانة، فأي فعل يتسبب في قتل المؤمنين فهو فساد يتسبب في القتل.

الفساد المقصود في هذه الآية:

الآية تقول "ويسعون في الأرض فساداً" فهي تتحدث عن في فساد القتل، وليس عن أي فساد، فالقتل فيه فساد والقانون عند الله هو أن النفس بالنفس، ولا يوجد حق آخر يوجب القتل، و لا ينفع أن يقتل أحد إلا عندما يقتل،هذا هو حكم الله. 
وعندما يأمر الله سبحانه وتعالى في القرآن بقتل أي أحد لا بد أن يكون المبدأ أن هذا الشخص قتل أو تسبب في قتل أحد، وليس لأي  سبب آخر. 
وكلمة الفساد كلمة عامة تأخذ قيمتها من خلال الموضوع التي تأتي فيه، كما هو الحال في كلمة طهارة، فكلمة طهارة كلمة عامة، وإذا قيل طهارة، فلابد من معرفة طهارة من ماذا وبماذا؟ فإذا قيل جنابة ، فطهارة الجنابة بالماء، أما طهارة الذنوب بالصدقة، وطهر الله سبحانه وتعالى نبيه عيسى من الذين كفروا برفعه عنهم (ومطهرك من الذين كفروا)، لذا لابد من معرفة الموضوع الذي أتت فيه كلمة الطهارة حتى نفهم معناها الحقيقي.
وبالمثل فإن الفساد موضوع عام، وهناك أشياء كثيرة يصدق فيها هذا الفساد، فهناك فساد في موضوع اليتامى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ) فمعاملة اليتيم بغير المعروف فساد. وفي موضوع الرسالة والإيمان يقول الله سبحانه وتعالى: (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون)، (وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)).وكل ما دون الصلاح هو فساد، السرقة مثلاً فساد، لكن عقاب السرقة ليس القتل، وكذلك كثير من المعاصي فساد، كالكذب على الله والزنا، بل إن أي إخلال في الدين هو فساد،لكن الله سبحانه وتعالى لم يضع في القرآن الكريم حد شرعي للفساد في حد ذاته بل أمر إن النبي أن يعرض عنه، وذلك الفساد لا يوجب القتل.
من هنا كان لزاماً أن نضع كلمة الفساد في الموضوع الذي جاءت فيه الآية، وموضوع هذه الآية متعلق بالقتل منذ بداية الحديث عن ابني آدم الذي قتل أحدهما الآخر،وجاءت هذه الآية في الحديث عن المحاربة المستهدفة للقتل، والتي تقضي بسفك الدماء، وبإرجاع هذه الكلمة المتشابهة ( الفساد في الأرض ) إلى الآية المحكمة "النفس بالنفس" فلا يمكن أن تأخذ نفس إلا إذا ارتكبت جريمة القتل. 
وهذا ما يتوافق مع عموم الآيات في القرآن الكريم التي تقول: ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193))، والفتنة هي التي تفضي إلى الخصومة المستمرة والتي تسفك كثير من الدماء وعلى مر العصور وذلك هو الفساد في الأرض.

(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً (93))
فهم الآية في شكلها الخاص هي تحذير من قتل غير الأعداء من خلال استغلال أمر الله سبحانه وتعالى في قتل المنافقين الذين اعتدوا على المؤمنين، ولأن المؤمنين مختلطين مع المنافقين، فالله يحذر من نزل عليهم الأمر من المؤمنين، من أن يتم استغلال هذا الحكم في تصفيات شخصية أو من أجل مصالح خاصة أو طمع في مال أو أمر من أمور الدنيا. فالآية تحذر من أن يقتل غير المنافق المستهدف في هذه الحرب. 
إذا الاية لا تتحدث عن قتل جنائي بصورة عامة، ولا تنص على أن غير المؤمن يمكن قتله على كل حال، أو أن قاتل المؤمن له حساب غير قاتل أي نفس أخرى، فالقتل عقابه القتل لأي نفس مؤمنة كانت أو كافرة في الدينا، والنار جزاءه في الآخرة، والآية هنا لاتفرق بين نفس مؤمنة أو غير مؤمنة، لكنها تقول  لا تستهدف المؤمن بعنوان تصفية الخونة من المنافقين.


حكم القتل


حكم قتل النفس: 
(وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)) 
هذه الآية جاءت ضمن سياق آيات تتحدث عن وصايا ملة إبراهيم والتي تعرف بالوصايا العشر، والتي تعتبر الدستور الذي يتم الرجوع له، ولو حدث أي اختلاف في الفهم يتم الرجوع لهذا الدستور. وقد جاءت الكتب السماوية لتفصل هذه  الوصايا. 

ما هو حق القتل؟
1- النفس بالنفس 
(وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (45)) 
في هذه الآية أنزل الله سبحانه وتعالى حكم محكم مثبت في التوراة والإنجيل والقرآن، وتشير الآية إلى تساوي العدل في الاعتداء على الناس،فهناك تساوي في القصاص في اعتداءات الجسد بحيث يكون العقاب قصة بقصة، بمعنى أن تؤخذ نفس مكان نفس وعين مكان عين، وأذن مكان أذن، وسن مكان سن وهكذا حتى الجروح بحيث يفعل في المجروح كما فعل الجارح فيه. 
ويلزم التأكيد أن هذه الآية تثبت أن القصاص في اعتداءات الجسد وليس في الاعتداءات الأخرى كالزنا والسرقة ، فلا قصاص في هذه الإعتداءات وإنما حدود.
هذه الآية تعتبر آية محكمة، فكل الآيات التي تتحدث عن القتل تأتي تندرج تحت قانونها ، لذا ففهم القتال الذي أقامه النبي مع أعداءه كان على أساس هذا السلطان.
"النفس بالنفس" هي البينة الأساس وهي الآية المحكمة في موضوع القتل، ومن يدعي غير ذلك عليه أن يأتي بحجة من الكتاب.لا يبرر القتل إلا القتل،ولا يوجد سبب  للقتل غير القتل. فحق القتل هو القتل، ولكي نقتل نفساً لابد وأن تكون هذه النفس قد قتلت،ولا يجوز قتل نفس لأي سبب كان حتى من أجل الدفاع عن النفس. والحق لولي المقتول.

2- قوام القصاص في القتل العمد:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمعروف وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178)).
تلغي آية القصاص أن يقتل غير القاتل لأن هناك من يدفعه الإنتقام لقتل من هو ذا مرتبة أعلى بدلاً من قتل القاتل وحسب.
القصاص في هذه الآية مكتوب على الجاني، وليس على المجني عليه لأنه ذهب من هذه الحياة، فالآية تقول: كتب عليكم القصاص في القاتل، أي أنه على القاتل أن يقر ويحكم بهذا وإن لم يحكم فهو كافر.
وهذه الآية لاتعرّف حكم القتل على أن حكم القتل معروف، بل تقول لنا أن هناك أناس قيمتها في مركزها، فلو أن عبداً قتل سيد ، فأولياء السيد قد يطلبون سيداً مقابله، وهذا مرفوض، فالآية تشير إلى من سينفذ فيه حكم القصاص؟ إذ على أولياء المقتول أن لا يأخذوا غير النفس التي قتلت.

3- أنواع القصاص
(وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179))


ينقسم قصاص القتل إلى قصاص بالقتل، وقصاص بالعفو ، وفي الأخير حياة للمعفي عنه وبهذا يكون قد أخذ ولي القتيل حقه بهذا العفو، وجائت هذه الآية بعد العفو المذكور في الآية السابقة ( فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم)
وفي حال العفو، على المعفي عنه أن يتبع المعروف في التعامل للعافي وأن يحسن له، لأنه مدين بحياته لهذا العفو، وعلى ولي القتيل العافي أن لا يتراجع عن عفوه لأنه قبض قيمة هذا العفو من عند الله سبحانه وتعالى. والآية تهدد بالعذاب على المعتدي منهما، فقد يصدر من المعفي عنه أن لا يتبع  المعروف والإحسان ، وقد يصدر من العافي أن يتراجع عن عفوه.
إذا يمكن لولي القتيل أن يقتص من القاتل بتركه بدون قتل أي بالعفو عنه، وبهذا يكون قد وهبه الحياة من خلال العفو، وليس لمن عفى عن القتل حق في التراجع، لأن العفو مدفوع الثمن عند الله سبحانه وتعالى.

حكم القاتل على خلفية دينية
(إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33))
التقتيل: أشد من القتل ، لأن التقتيل في شيء من الملاحقة حتى يتم القتل ، الصلب نوع من أنواع القتل وفيه تنكيل للمقتول وإشهار بعقابه على فعلته أمام الناس ، وجاء الصلب في المرتبة الثانية لأن الأصل في العقاب هو القتل، والقتل يمكن أن يكون بالتعقب في مناطق بعيده لا يمكن فيها الصلب.
التقطيع : هو تجريح بدون فصل والدليل وقطعناهم في الأرض أمما لم ينفصلوا عن بعضهم ولكنهم تفرقوا، وكذلك في قصة يوسف فإن النسوة قطعن أيديهم أي جرحن أيديهن. وتقطيع الأيدي والأرجل من خلاف، يكون بالجرح العميق في الخلاف للأيدي والأرجل بما يتسبب في النزيف ومن ثم القتل.
النفي من الأرض: هو الإخراج من المنطقة التي يسكن فيها المعتدي من إجل رفع أذاه الذي يتسبب به ضد المؤمنين. 
وفي هذه الأحكام حق طبيعي للمؤمنين، لأن القتل جزاءه القتل، والنفي هو أقل من القتل.
(إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34))
من قبل أن تقدروا عليهم : الآية تتحدث عن علم المؤمنين بخيانة المنافق ، فلو صلح وتاب عن الخيانة قبل أن يتم اكتشافه، فهذا العقاب لا يشمل ماكان عليه ، فلو قبض عليه في حال قد أصلح نفسه فلا عقاب على أفعاله القديمة ، إذ لا عقاب بأثر رجعي .

قابيل وهابيل
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) 
يقول ابن آدم هابيل ( ابن آدم المقتول) لأخيه قابيل (ابن آدم القاتل): بأني لا أريد أن أقتلك على الرغم من رغبتك لقتلي، وهو يقول ذلك بناءاً على أنه لا يمتلك الحق في قتله أخيه وهو لم يقتل بعد، ويكمل هابيل قائلاً: إذا قتلتني فهذا يحملك وزري ووزرك. وعلى الرغم من هذا فقد أطاعت نفس قابيل في قتل أخيه هابيل.
(من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فقد أحيا الناس جميعاً)
من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض) القتل أو الفساد في الأرض هو في ذات الموضوع، الآية إنما تؤكد أن القتل هو نوع من أنواع الفساد في الأرض. كما يقول في آية أخرى ( يقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض) فالآية تؤكد أن قطع ما أمر الله به أن يوصل هو إفساد في الأرض.
(من أجل ذلك ) قصة ابني آدم الآنفة الذكر تعطي مثالاً لقتل الناس بعضهم لبعض، فقتل أي بريء هو قتل للنسل من بعده، فقابيل حينما قتل هابيل إنما بقتله قتل كل النسل الذي من المفترض أن يأتي من نسل هابيل إلى يوم القيامة.
وفي الآيات إشارة لصراع الشر مع الخير، الشر قتل الخير ، ونحن أبناء القاتل، الذي أذهب النصف الآخر من العالم، تماماً كما قالت الملائكة "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء" أي أن البشر حالياً هم أبناء قابيل الذي سفك دم أخوه هابيل. وهذا ما نلحظه في طبيعة الإنسان إلى يومنا هذا، فحتى الطيبين منهم إذا تمكنوا في الأرض ربما يفسدوا ويبدأوا في القتل إلا ما رحم ربي.
(ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) الإحياء يكون بالعفو ، وبكل أشكال المساعدة والعون الذي يعيد للإنسان حياته بعد أزمة أو مشكلة صحية أو ماشابه، هي بمثابة إعادة الحياة للناس جميعاً.
من أجل ذلك : أي كما حدث لقابيل وهابيل من كون أن قتل إنسان يتسبب في قتل ذريته ونسله لذا كتب الله على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً . على أننا نعلم أن حكم النفس بالنفس قائم من ملة إبراهيم.


محاولة لفهم التاريخ من خلال القرآن 
خان يهود خيبر النبي والمؤمنين بأن ساعدوا أو ساهموا في قتلهم، فتطبقت في حقهم آية الحرابة التي تنص على أن يعاقبوا بأحد أمور هي أمور إما التقتيل أو الصلب أو التقطيع للأيدي والأرجل أو النفي من الأرض. فكان ما سينفذ في حقهم هو النفي من  الأرض ، فذهب المؤمنون لقتالهم من أجل تطبيق هذا الحكم الصادر بحقهم تبعاً لما ماعلموه مع المؤمنين،  فقاتلوهم وهم متحصنون في الحصن حتى تمكنوا من إجلائهم من الأرض. كما توضح ذلك سورة الحشر . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق