الاثنين، 12 سبتمبر 2016

حكم الأيمان

ذكر حكم الأيمان في القرآن الكريم في ثلاث مواضع، الأول في سورة البقرة في الآيتين (224) و (225)، والثاني في سورة المائدة في آية (89) والثالث في سورة النحل في آية (91). 
جاءت آية (89) كآية محكمة مبينة لأي تشابه في الآيتين التاليتين لهذا الحكم، ومجمل الآيات تؤكد على أن يلتزم المؤمن بعهوده، وأنه إذا ألقى يميناً فعليه أن يفي به للناس، وفي حال أكد اليمين بالحلف بالله ولم يف بعهده عليه أداء الكفارة التي تبينها الآية المحكمة.

(لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) سورة المائدة آية (89) 
"لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم" 
كلمة اللغو تشبه كلمة اللهو، لهو من لها، واللغو من لغا، وكلمة اللغو تأتي في الكلام الزائد، وتأتي في الإلغاء، والآية تشير إلى أن المؤمن مؤاخذ في إلغاء اليمين، وقد تكون من طبيعة بعض الناس أن يلقوا أيمانهم بدون تعمد لتأكيد اليمين بالحلف. 

" ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان" 
تبين الآية أنه إذا حلف المؤمن في أمر ما يكون قد أدخل نفسه في مسؤولية أمام الله،   والمؤاخذة تكون إذا تم تعقيد الآيمان بهذا الحلف، والتعقيد الربط، ويشبه ربط الحبل في شيء، فالمؤاخذه تكون على هذه العقدة، وهذه الربطة تشرحها أيات أخرى. وكلمة عقدتم فيها مبالغة في العقدة، ومعنى ذلك أن الإنسان يجعل على نفسه عهد باليمين، وتعقيده بالحلف أي بأن يقسم بالله أنه سيفي بهذا العهد.


"فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم" 
كفارة عدم الوفاء باليمين المعقد هو إطعام عشرة مساكين "من أوسط ما تطعمون" أي من الطعام الوسط، فلو أخذنا "التمر" مثالاً سنرى أن لهذا الطعام أصناف عدة منها الرخيص ومنها غالي الثمن ومنها الوسط ومن الوسط ما يطعم به المرء أهله، فهذا الذي يجب أن يقدم كطعام للمساكين. " أو كسوتهم " أي شراء اللباس للمساكين

" أو تحرير رقبة" 
تحرير عبد مملوك من ربقة العبودية بشراءه وإطلاق سراحه لوجه الله.

" فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام"
من لم يجد تشير إلى ضعف القدرة المادية في تحرير رقبة، فالبدل هو صيام ثلاثة أيام.

" ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم" 
الحلف يعني التحالف بشيء قوي يستند إليه الإنسان، واليمين هو العهد الذي يتعهد الإنسان بالالتزام به تجاه الآخرين، ومن الممكن أن يأخذ الإنسان على نفسه يميناً دون أن يحلف. ومن الممكن أن يأخذ يميناً على نفسه ويحلف بالله سبحانه وتعالى وفي هذه الحالة فقط يكون لزاماً على الإنسان في حال عدم  وفاءه بالالتزام بهذه الكفارة.

" واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون"
واحفظوا ايمانكم، من الممكن أن تعني الحفاظ على عدم إلقاء اليمين على كل شيء حتى لا يتم التهاون بالأيمان، ومن الممكن أن يكون الحفاظ على اليمين بعد إلقاءه بالوفاء به.

لفتة:
في الآية علاقة العبد مع الله سبحانه وتعالى، فالله سبحانه وتعالى يريد من العبد أن يكون صادقاً في قوله، وأن لا يعلق على شيء من أمور الدنيا على الله بتعريضه دون أن يفي بها، والله سبحانه وتعالى يقول للمؤمن حاذر في قولك، لا أنه يعتبر الكفارة مخرج بسيط ومن ثم يعتبر ذلك تيسير له للوقوع في هذا الأمر .

(وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (*) لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) سورة البقرة (224)-(225)
"ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس"
التعرض لشيء هو ذكر الشيء لما لا يجب أن يذكر فيه، ونقول لشخص قد عرض شيء ثمين لأشعة الشمس أو للهواء، لا تعرضه للشمس واحفظه. لا تعرضوا الله سبحانه وتعالى في كل موضوع من مواضيع الدنيا. والآية تأمرنا أن نضع اليمين في مكانه، وأن لا نجعل الله عرضة للأيمان، وأن لا يكون اليمين في الأشياء التي ليس لها لازم، وفي هذا الأمر تقدير لله سبحانه وتعالى، فلا تذكر اسم الله في الأمور التافهة البسيطة، لأن عظمة الله أعلى وأجل. " والله سميع عليم" يسمع قولكم ويعلم نواياكم.

" لا يؤاخذكم الله في اللغو في أيمانكم":
اللغو هو ما ينطلق باللسان دون نية حقيقية في تعريض الله سبحانه وتعالى فهو لاغ لا حقيقة له.

" ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم"
ولكن المؤاخذة تكون في ما كسبه القلب، أي في ما نواه القلب في تعريض الله في الحادثة، والله غفور حليم سبحانه وتعالى.

وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) سورة النحل (91).

"وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم "
اليمين هو التزامات الإنسان التي ألزم نفسه بها، واليمين حق لك وعليك، حق لك لأنه في ملكك، وحق عليك في الألتزام به، والكلمة هنا بمثابة العهد أو الوعد الذي يقطعه الإنسان على نفسه. تقول الآية "أوفوا بعهد الله إذا عاهدتم" وقد يكون المعنى إذا عاهدتم الله، أو يكون إذا عاهدتم أي أحد من الناس، وفي الحالة الثانية فأن الآية تعتبر أن العهد مع الناس هو عهد مع الله سبحانه وتعالى. 

" ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً"
الأيمان لها توكيد، وقد يعطي المرء يميناً لكن لا يؤكده، وما يفهم أن توكيد الأيمان هو الحلف بالله. وبعد تأكيد ذلك الأيمان بالحلف فقد جعلتم الله عليكم كفيلاً، والكفيل هو الذي  يتحمل نيابة عنك.

" إن الله يعلم ما تفعلون"
هو العالم سبحانه بما في الصدور وبالنوايا.

لفتة : 
الإنسان خليفة الله في أرضه، والمؤمن يعتقد بالله وهذا يعني أن كل خطواته مليئة بذكر الله سبحانه وتعالى. وتعاملاته العامة مع الناس فيها الكثير من العهود والمواثيق، وأعلاها هو العهد بين الزوجين، وهو ما أسماه القرآن الكريم  بالميثاق الغليظ.  وعلى المؤمن المتقي أن لا يقلل من شأن العهود التي تجري بينه وبين الآخرين، ولا يربي أبناءه  على التهاون في العهود.